سأل رجل إياس بن معاوية عن النبيذ فقال: هو حرام،
فقال الرجل:فأخبرني عن الماء؟
فقال: حلال.
قال: فالكسور؟
قال: حلال.
قال: فالتمر؟
قال: حلال.
فقال الرجل: فشما باله إذا اجتمع حرم؟
فقال إياس: أرأيت لو رميتك بهذه الحفنة من التراب، أتوجعك؟
فقال الرجل: لا.
قال: فهذه الحفنة من التبن؟
قال: لا توجعني.
قال: فهذه الغرفة من الماء؟
فقال: لا توجعني شيئا.
فقال إياس: أفرأيت إن خلطت هذا بهذا وهذا بهذا، حتى صار طينا ثم تركته حتى استحجر ثم رميتك به أيوجعك؟
فقال الرجل: إي والله، وتقتلني.
فقال إياس: وكذلك تلك الأشياء إذا اجتمعت
وشاعت أخبارُ ذكاء إياس، وذاعت وصار الناسُ يأتونه من كل
حدب وصوب، ويلقون بين يديه ما يعترضهم من مشكلات في العلم
والدين. لما ولِيَ القضاءَ جاءه رجلان يتقاضيان عنده، فادَّعى
أحدُهما أنه أودع عند صاحبه مالا، فلما طلبه منه جحده،
فسأل إياسُ الرجلَ المدَّعَى عليه عن أمر الوديعة فأنكرها،
وقال : إن كانت لصاحبي بيِّنة فليأتِ بها، وإلا فليس له عليَّ
إلا اليمين، لا يوجد بيِّنة، فلما خاف إياسٌ أن يأكل الرجلُ
المالَ بيمينه التفت إلى المودِع، وقال له : في أيِّ مكان
أودعته المالَ ؟ أي أعطيته، قال : في مكان كذا، قال :
وماذا يوجد في ذلك المكان ؟ قال : شجرة كبيرة جلسنا تحتها،
وتناولنا الطعام معًا في ظلِّها، ولما هممنا بالانصراف دفعتُ
إليه المالَ، فقال له إياسٌ : انطلِق إلى المكان الذي فيه
الشجرة فلعلَّك إذا أتيتها ذكَّرتك أين وضعت مالك، ونبَّهتْك
إلى ما فعلته به، فجعل المدَّعي يذهب إلى الشجرة، وأوهمَ
المتَّهم أنه بريء، اذهب أيها الرجل إلى الشجرة فلعلك نسيت
المالَ هناك، هذا بريء، قال : ثم عُد إليَّ لتخبرني بما رأيت،
فانطلق الرجل إلى المكان، وقال إياس للمدَّعى عليه : اجلس
إلى أن يجيء صاحبُك، فجلس، ثم التفت إياس إلى من عنده من
المتقاضين، وطفق يقضي بينهم، وهو يرقب الرجل بطرفٍ خفيٍّ، حتى
إذا رآه قد سكن - ارتاحت نفسُه وكأنه صار بريئا، واطمأن،
التفت إليه وسأله على عجل : أتقدِّر أن صاحبك قد بلغ
الموضع الذي أعطاك فيه المال ؟ هل تقدِّر أنه وصل إليه ؟
قال له : لا إنه بعيد من هنا، فقال له إياس : يا عدوَّ الله
تجحد المالَ، وتعرف المكان الذي أخذته فيه، تركه ينسى،
وتركه يطمئن، وسأله فجأة، صاحبك وصل إلى الشجرة في
تقديرك ؟ إلى المكان الذي أخذت فيه المالَ، هل وصل إليه
صاحبُك، لا المكان بعيد، لا يزال في الطريق، واللهِ إنك لخائن،
فبُهِت الرجل، وأقرَّ بخيانته، فحبسه حتى جاء صاحبُه، وأمره
بردِّ وديعته إليه.