عمر بن الخطاب
شخصية عظيمة من التاريخ الإسلامي هيا بنا نتصفح بعضا من سيرته رضي الله عنه
ثاني الخلفاء الراشدين ولد بمكة أبوه قرشي وأمه مخزومية ، قاوم الدعوة المحمدية في أول الأمر غير أنه ما لبث أن تحول للإسلام على يد أخته " فاطمة "وزوجها "سعيد بن زيد"فلما أسلم أعز الإسلام ، ورسخ من قواعده ، ونشر دعوته وتحول أتباع الرسول من الخوف من وطأة قريش إلى الجهر بإيمانهم . وجمع الإسلام بين صاحب الدعوة وعمر
، وتزوج محمد" عليه الصلاة والسلام "من حفصة ابنته ورضي عمر على استعلائه وشرف مركزه، أن يكون باختياره الرجل الثاني بعد أبي بكر ، وظل حياته أمينا لمحمد ، صادق الود لأبي بكر ، وقبلهما لوصايا الدين وقواعد الإسلام ، فكان بذلك المثل المضروب للناس في تبات الإيمان والزهد واحترام المعاني الإنسانية على مر العصور .
لما قبض الرسول كان لعمر الخطر الأول في أخذ البيعة لأبي بكر من المسلمين ، فلما توفى أبو بكر وبويع له بالخلافة وقد تولاها عشر سنين ، خرجت الدولة الإسلامية من صدفتها وأخذت تمتد وتنمو وتربو ، ونشرت لواءها في عصره على أوسع رقعة من أرض الحضارات القديمة ، وبقيادة رجاله العباقرة من أمثال عمرو بن العاص و يزيد بن سفيان و أبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد و سعد بن أبي وقاص .
هزم جيوش الدولة الساسانية بفارس واستولى على العراق وأكثر من بلاد فارس وانتزع الشام ومصر من إمبراطورية الروم البيزنطية .
وبالرغم من أن هذه الفتوحات بدأت في عصر أبي بكر ، فقد كانت برأي عمر وتحريض منه على تأمين حدود الإسلام الشمالية وتبليغ الرسالة الإنسانية ومبادئ المساواة والحرية الشخصية والدينية لجميع الأمم شرقا وغربا ، حتى لقد اندمجت من بعد ذلك في الإسلام شعوب أخذت جميعا بأسبابه دينا ولغة وحضارة، وتم ارتباطهم بها فلم يعرف الفارسي أنه فارسي ولا الرومي أنه رومي ، ولا الصابئ أنه صابئي ولا المغربي أنه مغربي ، وإنما عرفوا جميعا أنهم مسلمون ، تظلهم دولة أساسها العدل والسماحة والحرية والمساواة ، وقوامها العلم ، رافع لواء الحضارات .
ولما تم لعمر السيادة على العالم المتحضر في عصره، وأراد أن يقيم لهذا البناء الشامخ أداة إدارية تحكم أطرافه، هدته حكمته وسماحته وبمشورة من قائده الأعلى أبو عبيدة بن الجراح ، أن يترك رجال فارس يديرون ورجال بيزنطية يديرون الشام وإلى جانب هذا وضع نظام الجزية والخراج ، وترك لكل من أهل الأديان ، نصارى ويهود وصائبين وعبدة نار حرية عقائدهم وتأدية شعائرهم بكامل الحرية القائمة على مبدأ احترام المعنويات الإنسانية بأوسع معانيها .
عاش عمر بن الخطاب ستين سنة، ومات مقتولا، إذ طعنه عبد فارسي بسبب صغير على ما يروى. لقد كانت حياة عمر
عصرا برأسه في تاريخ الإنسانية، وما تاريخ البشر إلا تاريخ رجال يقفون بمهام الجبابرة على طريق الحضارة.
يا رافعا راية الشورى وحارسها
جزاك ربك خيرا عن محبيها